ممارسة الحديث وأهميتها في التعليل
الممارسة هي: طول صحبة التلميذ لشيخه, مع شدة في الأخذ عنه وقوة, يضاف إلى ذلك كثرة الرّد والمراجعة لها.
من هنا تعد الممارسة من أهم المعايير التي يجدر التنبه إليها في البحث والكشف عن طبقات الرواة في شيوخهم. فقد "أعطى المحدثون طول ملازمة الشيخ وممارسة حديثه أهمية كبيرة, فرجحوا ـ من أجل ذلكـ أسانيد كثيرة على أخرى,وأعانتهم معرفتهم بالصحبة والممارسة على تمييز كثير من الأوهام والعلل". همام سعيد , مقدمة تحقيق شرح علل الترمذي, 1/113.
من هنا كان من الضروري معرفة الأصحاب الذين مارسوا حديث الشيخ من دون كل أصحابه. ويمكن أن نرصد بعض المظاهر الآتية والتي تدلنا على أن فلان مارس حديث شيخه:
المظهر الأول: طول الملازمة:
إن طول ملازمة الصاحب شيخه يدلنا على أنه عرك حديثه عركا , وقد اهتم النقاد في تراجم الرواة ببيان من طالت ملازمتهم لبعض شيوخهم, ومن أمثلة ذلك :
ـ قال يحيى بن سعيد القطان: " اختلفت إلى شعبة عشرين سنة " ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 1/249.
ـ وقال حماد بن زيد : " جالست أيوب عشرين سنة" ابن معين , التاريخ (رواية الدوري) 4/214.
ـ وقال أبو حاتم :"أثبت الناس في ابن عيينة الحميدي وهو رئيس أصحاب ابن عيينة. نا عبد الرحمن قال سئل أبي عنه فقال ثقة إمام وقال الحميدي جالست بن عيينة تسع عشرة سنة أو نحوها " ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 5/56.
ـ وقال أحمد:" كتب غندر عن شعبة في حياة الأعمش وقال غندر لزمت شعبة عشرين سنة". عبد الله بن أحمد , العلل ومعرفة الرجال 2/180.
ـ وقال أبو نعيم: " لزم أبو معاوية الأعمش عشرين سنة ". ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 5/245.
ـ وقال شعبة : " هشام الدستوائي أعلم بحديث قتادة مني وأكثر مجالسة له مني". المصدر السابق 1/155.
ـ قال ابن حبان : " محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي أبو الهذيل الحمصي القاضي روى عن الزهري أقام مع الزهري عشر سنين حتى احتوى على علمه وهو من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري" ابن حبان , الثقات 7/373, ابن حجر , تهذيب التهذيب 9/443. . وقال الزهري لمحمد بن سالم : " اقرأ على هذا يعني ـ محمد بن الوليد الزبيدي ـ فقد احتوى على ما بين جنبيَّ من العلم ". أبو زرعة الدمشقي , التاريخ 201.
ـ قال ابن الجنيد : " قال يحيى بن معين : علي بن المديني من أروى الناس عن يحيى بن سعيد إني أرى عنده أكثر من عشرة آلاف. " قلت : ليحيى أكثر من مسدد ؟ قال: نعم . إن يحيى بن سعيد كان يكرمه ويدنيه. وكان صديقه يعين عليا وكان علي يلزمه". الخطيب ,تاريخ بغداد 11/461. فهؤلاء الذين ذكروا هم كبار أصحاب شيوخهم .
ومما يلحق بالملازمة نوع خاص منها تقتضيه ظروف خاصة من قرابة أو شركة أو ما شابه ذلك , ومن أمثلة ذلك :
ـ ما كان لقرابة ما : ومثاله:قال الخطيب في عمر بن هارون بن يزيد: " قال بهز أرى يحيى بن سعيد حسده ؛ قال : أكثر عن ابن جريج . من لزم رجلا اثني عشرة سنة لا يريد أن يكثر عنه ". و قال أبو غسان : " وبلغني أن أمه كانت تعينه على الكتاب". قلت ـ الخطيب ـ : ذكر مسلم بن عبد الرحمن البلخي أن ابن جريج تزوج أم عمر بن هارون فمن هناك أكثر السماع منه" المصدر السابق 11/188.
ـ ما كان لشراكة أو عمل ما : ومثاله : قال ابن عبد البر في زياد بن سعد الخرساني بعد أن ذكر توثيق الناس له : " أروى الناس عنه ابن جريج وكان شريكه " ابن عبد البر , التمهيد6/61.
ـ وقال ابن أبي حاتم : " عبد الوهاب بن رفيع وهو بن أبي بكر وهو من ضيعة الزهري من بداء شغب روى عن الزهري . سمعت أبي يقول ذلك وسألته عنه فقال هو ثقة ما به بأس هو من قدماء أصحاب الزهري صحيح الحديث كان وكيلا للزهري ببداء شغب". ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 6/71.
ـ ما كان لضيافة : ومثاله : قال ابن سعد في عبيد الله بن أبي زياد الرصافي: " كان أخا امرأة هشام بن عبد الملك وكان الزهري لما قدم على هشام بالرصافة لزمه عبيد الله بن أبي زياد فسمع علمه وكتبه فسمعها منه ابنه يوسف وابن ابنه الحجاج بن يوسف أبي منيع . وقال الذهلي في علل حديث الزهري بعد أن ذكر إسحق الكلبي وعبيد الله بن أبي زياد من أهل الرصافة لم أعلم له راويا غير ابن ابنه أخرج إليّ جزءا من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحا فلم أكتب منها إلا يسيرا قال الذهبي فهذان رجلان مجهولان من أصحاب الزهري مقاربا الحديث وعده الدارقطني من ثقات أصحاب الزهري" ابن حجر , تهذيب التهذيب 7/13.
قلت : أما شغب وبدا , فقد قال ياقوت : "شغب : وهي ضيعة خلف وادي القرى كانت للزهري و بها قبره ". معجم البلدان 3/352. وقال في بدا: " بدا بالفتح والقصر واد قرب أيلة من ساحل البحر وقيل بوادي القرى ." انظر : الحموي , ياقوت بن عبد الله أبو عبد الله (ت:626) . معجم البلدان, دار الفكر, بيروت , 1/356-357. وما أميل إليه أنها أيلة ذلك أن الزهري كان ينزلها . قال ابن أبي حاتم : " قال سئل أبي عن عقيل ومعمر :أيهما أثبت ؟ فقال : عقيل أثبت كان صاحب كتاب . وكان الزهري يكون بأيلة وللزهري هناك ضيعة. فكان يكتب عنه هناك " ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 7/ 43. وغالب ظني أن أيلة هي مدينة العقبة الأردنية . فهي الأقرب إلى قول ياقوت فيها : " أيلة بالفتح مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام . وقيل : هي آخر الحجاز وأول الشام ". معجم البلدان1/292.
ـ ومنها ما كان لظروف اقتضت تواري الشيخ عند أحد أصحابه :
ومثاله : وقال ابن عدي في حديث حرملة عن ابن وهب : " وقد تبحرت حديث حرملة وفتشته الكثير فلم أجد في حديثه ما يجب أن يضعف من أجله ورجل يتوارى ابن وهب عندهم ويكون عنده حديثه كله فليس ببعيد أن يغرب على غيره من أصحاب ابن وهب كتب ونسخ إفرادات ابن وهب . وأما حمل أحمد بن صالح عليه فإن أحمد سمع في كتبه من ابن وهب فأعطاه نصف سماعه ومنعه النصف فتولدت بينهما العداوة من هذا فكان من يبدأ إذا دخل مصر بحرملة لا يحدثه أحمد بن صالح وما رأينا أحدا جمع بينهما فكتب عنهما جميعا ورأينا أن من عنده حرملة ليس عنده أحمد ومن عنده أحمد ليس عنده حرملة ". ابن عدي, الكامل 2/461.
ـ قال الخطيب : " محمد بن موسى بن مشيش مستملي أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وجاره كان من كبار أصحابه ومتقدميهم ونقل عنه مسائل كثيرة . ويقال إن أحمد كان يكرمه ويعرف حقه حدثت عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي قال حدثنا أبو بكر الخلال حدثنا محمد بن على قال كان محمد بن موسى بن مشيش يستملى لأحمد في مجالسه ". الخطيب ,تاريخ بغداد 3/240.
وهذا النوع من الملازمة يحتمل أن يكون صاحبه من كبار أصحاب الشيخ , ويحتمل أن لا يكون كذلك , غير أن معرفته تفيدنا فيما تفرد به هؤلاء عن شيوخهم , والتي يمكن أن تقبل لهذه الظروف الخاصة من الصحبة , والأمر يحتاج في كل حديث إلى تفصيل حكم .
المظهر الثاني: أن يُمَكِّنَ الشيخ أحد تلاميذه ما لا يمكن غيره:ومن مظاهر الممارسة أن يمكن الشيخ أحد أصحابه من حديثه ما لا يمكن غيره .
ـ ومثاله : قال القطان : " ما سمعت من سفيان عن الأعمش أحب إليَّ مما سمعت أنا من الأعمش لأن الأعمش كان يُمَكِنُ سفيان مالا يمكنني." ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 1/84. وقال القطان أيضا : " كان سفيان اعلم بحديث الأعمش من الأعمش". الخطيب ,تاريخ بغداد 9/167.
من هنا قال أبو معاوية الضرير وهو من أثبت أصحاب الأعمش : " كان سفيان يأتيني ها هنا يذاكرني حديث الأعمش فما رأيت أحدا أعلم بها منه وكان شعبة إذا رآني اضطرب في حديث الأعمش". وقال : "ما رأيت رجلا قط كان أحفظ لحديث الأعمش من الثوري". المصدر السابق 9/167. وقال ابن معين : " قال أبو معاوية : كنا إذا ذاكرناه ـ أي سفيان الثوري ـ حديث الأعمش فكأنا لم نسمع منه الحديث . يشير إلى كثرة حديثه وسعة حفظه ". ابن رجب الحنبلي, شرح علل الترمذي 2/715.
المظهر الثالث: تصحيح حديث الشيخ بحضرته : ويعد هذا قمة الممارسة الحديثية .
ومثاله : الثوري في الأعمش :
ـ قال عبد الله بن أحمد : " حدثني محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني قال حدثنا قبيصة عن قطبة قال: قال رجل للأعمش حين حدث بحديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله كنت مستترا , إن سفيان يحدث به عنك عن وهب بن ربيعة قال فهمهم الأعمش ساعة ثم قال هو كما قال سفيان".عبد الله بن أحمد , العلل ومعرفة الرجال 2/473.
ومنه قال زائدة : " كنا نأتي الأعمش فنكتب عنه , ثم نأتي سفيان فنعرض عليه فيقول لبعضها: ليس هذا من حديث الأعمش. فنقول : إنما حدثناه الآن! فيقول: اذهبوا إليه فقولوا له. فنذهب إليه فنقول له. فيقول : صدق سفيان. فمحاه". الخطيب ,تاريخ بغداد 9/167.
المظهر الرابع: التحديث عن الشيخ بحضرته : ومن المظاهر أن يسمح الشيخ لتلميذه أن يحدث حديثه بحضرته وفي مجلسه . ومثاله : قال القطان : " سمعت أبا معاوية يحدث عن الأعمش عن إسماعيل بن أبى خالد. والأعمش منصت له يستمع منه ". ابن معين , التاريخ (رواية الدوري) 3/376.
المظهر الخامس: كثرة إيقاف الشيخ ومسألته: ومن الأصحاب من كان يقف على حديث الشيخ حديثا حديثا يسأله عنه , كما كان شعبة مع قتادة , وقد تكرر ذلك في عفان صاحب شعبة . قال عفان : " كنت أوقف شعبة على الأخبار". الخطيب ,تاريخ بغداد 12/269. وأورد الخطيب البغدادي أنه كان يتكرر ذلك منه في المجلس الواحد عدة مرات يتثبت منه من الألفاظ , حتى يغضب منه شعبة ويقيمه من المجلس . لأجل ذلك فضله ابن معين على أبي الوليد وأبي نعيم وغيرهما, قال ابن معين :" كان عفان وبهز وحبان يختلفون إليّ , فكان عفان أضبط القوم للحديث وأمكرهم , عملت عليهم في شيء فما فطن لي أحد منهم إلا عفان ".وقال ابن حنبل : " ما رأيت الألفاظ في كتاب أحد من أصحاب شعبة أكثر منها عند عفان يعنى أنبانا وأخبرنا" . المصدر السابق 12/273.
المظهر السادس: تكرار حديث الشيخ : تكرار حديث الشيخ يؤدي إلى حفظه حفظا مميزا . وتكراره إما أن يكون بداعي الحفظ , أو يكون لكثرة ما يسأل عنه , ومن ذلك :
ـ قال أحمد بن سنان: " سمعت أبا معاوية وحدث بحديث عن الأعمش عن المنهال في القبر , فلما فرغ قال : حفظته يا محمد؟ قلت : نعم . قال : أردده عليَّ فرددته عليه . فقال : ما زدت فيه واوا ولا ألفا ولا نقصت منه واوا ولا ألفا". ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 7/247.
ـ وقال الآجري : " سئل أبو داود عن سفيان بن زياد فقال: من أصحاب ابن المبارك اثبت أصحاب ابن المبارك , وبعده سليمان , وبعده علي بن الحسن بن شقيق , وقال أبو داود : سمع علي بن الحسن الكتب من ابن المبارك أربع عشرة مرة ". الخطيب ,تاريخ بغداد 11/370.
ـ و قال أحمد :" كان أبو معاوية إذا سئل عن أحاديث الأعمش يقول قد صار حديث الأعمش في فمي علقما أو هو أمَّرُ من العلقم. لكثرة ما يردد عليه حديث الأعمش". عبد الله بن أحمد , العلل ومعرفة الرجال 1/362.
ـ وقال أحمد بن سنان: " سمعت أبا معاوية يقول : " كم تسألوني عن الأعمش! سلوني عن حديث عبيد الله . أرأيتم لو قيل لأحدكم : اقرأ الحمد. فجاء آخر فقال اقرأ الحمد فقرأ. ثم جاء آخر فقال اقرأ الحمد! أليس كان يتبرم! الأعمش الأعمش الأعمش". الخطيب ,تاريخ بغداد 5/245.
ـ و قال الوليد : " ما أبالي من خالفني في الأوزاعي ما خلا عيسى بن يونس فإني رأيت أخذه أخذا محكما ". البخاري , التاريخ الأوسط 2/243 , ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 6/291, اابن حجر , تهذيب التهذيب 8/214.
ـ وقال حماد بن زيد : " ما أبالي من خالفني إذا وافقني شعبة لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة يعاود صاحبه مرارا ونحن كنا إذا سمعناه مرة اجتزينا به". ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 1/168.
ـ وقال عبد الله بن إدريس في زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري البكائي : " ما أحد أثبت في ابن إسحق من البكائي أملاها عليه مرتين". وقال يحيى بن معين : " زياد البكائي ليس حديثه بشيء وكان عندي في المغازي لا بأس به, زعم عبد الله بن إدريس أن زياد البكائي باع بعض داره وكتب المغازي " . ابن أبي حاتم , الجرح والتعديل 3/537, الخطيب ,تاريخ بغداد 8/476 , الذهبي , الكاشف 1/411.
ـ وقال إبراهيم بن عبد الله الهروي : " ما من حديث من حديث هشيم إلا وقد سمعته منه العشرين إلى الثلاثين مرة , كنت أوقفه" . قلت : من هنا عده جزرة أعلم الناس في هشيم . ابن حجر , تهذيب التهذيب 1/115.
فالبحث في هذه المظاهر وغيرها مما فاتني , توقفنا عند الممارس الفطن من الأصحاب لحديث شيخه. مما يدلنا دلالة بينة تضاف إلى ما سبق إلى أصحاب الأئمة الكبار .
ومما يجدر ذكره في الصحبة مما يؤثر في الكثرة والقلة عن الشيخ؛ هو ما يكون من عسر الشيخ في الحديث, الأمر الذي يؤدي إلى قلة الرواية عنه .
ـ ومن ذلك : قال أحمد : " عبد الله بن المبارك أتى الأعمش فما أدري أيش قال له عبد الله ! فقال الأعمش : هذا التركي أو هذا الخراساني إلا أنه حلف ألا يحدث قوما هو فيهم . قال : فكان عبد الله أي تحرج أو تورع أن يحنثه. قلت له : أليس عبد الله قد سمع من الأعمش؟ قال : نعم , ولكن ليس بالكثير ". عبد الله بن أحمد , العلل ومعرفة الرجال 2/365.
غير أن الأصحاب أمام هذه العسر فريقان :
ـ فريق يبتعد ولا يتحمل شيخه فيفوته الكثير , ومثاله : قال عبد الله بن أحمد: " سمعت أبي يقول بلغني عن ابن إدريس قال : سألت الأعمش عن شيء فلم يجبني. فقال ابن إدريس لا آتيته سنة". المصدر السابق 3/455.
ـ وفريق يعاود الكرة تلو الكرة ولا ييأس , ومثاله :
ـ قال حفص بن غياث :" قال لي سليمان الأعمش إذا كان غدا فبكر علي حتى أحدثك بعشرة أحاديث نخب , وأطعمك عصيدة , واحذر أن تجيئني معك بثقيل. قال : فلما كان من غد ثم أصبحت غدوت إليه فتلقاني ابن إدريس فقال : حفص ؟ قلت : نعم. قال: أين تريد؟ قلت: الأعمش . قال : مكانك حتى أجيء معك . قال : فلما بصر بنا قام ودخل وقام وراء الباب . فلما دققت الباب قال : من هذا ؟ قلت : حفص .قال: يا حفص لا تأكل العصيد إلا بجوز ! ألم أقل لك لا تجيئني معك بثقيل. قال : ولم يخرج . فلما كان العشي جئت فدققت الباب قلت : يا جارية أبو محمد في الدار ؟ قال : فدخل البيت ,وقال: قولي له لا. قال: فلما كان من غد جئت فدققت الباب فقلت : يا جارية أبو محمد في البيت ؟ فخرج إلى الدار وقال: قولي له لا. قال: فلما كان بعد شهر لقيته في الطريق , فقلت : يا أبا محمد إن إتيانك لذل , وإن تركك لحسرة . قال : كذا وحقك اشتهي . فانصرف". الخطيب , الجامع لآداب الراوي والسامع 1/307
ـ قال ابن نمير : "ترددت إلى الأعمش مرارا أسأله فلم يحدثني . وقال : إذا جد السؤال جد المنع".أبو نعيم , حلية الأولياء 4/123.
ـ قال محمد بن يونس الكديمي : " قدمت بغداد سنة ست ومائتين أريد الحج فأتيت عفان بن مسلم ومعي جزء فيه أحاديث فقرأ عليّ منها أحاديث يسيره , ثم رد الجزء عليَّ فاستزدته فزادني حديثا . فدنوت إليه فقلت له : كأني بك وتركت أصحاب شعبة اثنين في كل زقاق بالبصرة ! فضحك فأخذ الجزء منى فقرأه كله". الخطيب ,تاريخ بغداد 3/437.
ويبين الشافعي هذا الاختلاف بقوله : " كان يختلف إلى الأعمش رجلان أحدهما كان الحديث من شأنه, والآخر لم يكن الحديث من شأنه. فغضب الأعمش يوما على الذي من شأنه الحديث .فقال الآخر : لو غضب عليّ كما غضب عليك لم أعد إليه. فقال الأعمش : إذن هو أحمق مثلك يترك ما ينفعه لسوء خلقي ". الخطيب , الجامع لآداب الراوي والسماع 1/223
فهذا مما يجدر التنبه إليه في علاقات الأصحاب بشيوخهم .
/ مقتطف من رسالتي للدكتوراه: "معرفة أصحاب الرواة وأثرها في التعليل دراسة نظرية وتطبيقية في علل أصحاب الأعمش. ( سليمان بن مهران) في طريقها للطباعة / دار النوادر